روى أبو هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بعمل وأقلل، قال:
"لا تغضب" ثم أعاد عليه فقال: "لا تغضب" [أخرجه البخاري] قال
ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الصرعة
فيكم؟" قلنا: الذي لا تصرعه الرجال، قال: "ليس ذلك، ولكن الذي
يملك نفسه عند الغضب" [أخرجه مسلم] وقال أبو هريرة: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد
الذي يملك نفسه عند الغضب". [متفق عليه].
فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام
وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل
وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها. والانتقام قوت هذه
القوة وشهوتها وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به. ثم إن الناس في
هذه القوة على درجات ثلاث من التفريط والإِفراط والاعتدال.
أما التفريط: فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم، وهو
الذي يقال فيه إنه لا حمية له. ولذلك قال الشافعي رحمه الله
من استغضب فلم يغضب فهو حمار. فمن فقد قوة الغضب والحمية
أصلاً فهو ناقص جداً.
وأما الإِفراط: فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن
سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر
وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطر.
بيان الأسباب المهيجة للغضب
قد عرفت أن علاج كل علة حسم مادتها وإزالة أسبابها فلا بدّ من معرفة أسباب الغضب.
والأسباب المهيجة للغضب هي: الزهو والعجب والمزاح والهزل
والهزء والتعيير والمماراة والمضادّة والغدر وشدة الحرص على
فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعاً
ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه
الأسباب بأضدادها فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع. وتميت العجب
بمعرفتك بنفسك وتزيل الفخر بالتذكر للأصل الأول إذ الناس
يجمعهم في الانتساب أب واحد، وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتاً
فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل، والفخر والعجب والكبر
أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها، فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك
على غيرك.
كاظم الغيظ
قال الله تعالى: {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] وقد ذكر ذلك في معرض المدح.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم
القيامة رضا" وفي رواية "ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً" [أخرجه أبو داود
وابن حبان] وقال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ما جرع جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه
الله تعالى". [أخرجه ابن ماجه].
الآثار: قال عمر رضي الله عنه: من اتقى الله لم يشف غيظه
ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما
ترون.