التفصيل في حكم الجماعة الثانية
السؤال:
ما
حكم إقامة الجماعة الثانية في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب؟ (أنا وصلت
المسجد بعد انتهاء الجماعة الأولى ماذا افعل؟) (وما الرد على من يقول إن
ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرجع إلى بيته ويصلي مع
أهل بيته جماعة) وأن الصحابة كانوا يصلون بمفردهم إذا تعثر أحدهم عن
الجماعة الأولى)؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالصحيح
أن الجماعة الثانية مشروعة ولو في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب، وإن كان
كثيرٌ من العلماء يشترط إِذْنَ الإمام، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِى أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يُصَلِّى، فَقَالَ: (أَلاَ
رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا يُصَلِّى مَعَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى
مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: هَذَانِ جَمَاعَةٌ) رواه أحمد، وصححه الألباني،
وهو صريح في مشروعية الجماعة الثانية في مسجد له إمام راتب وهو مسجد النبي
-صلى الله عليه وسلم-، ثم عموم الأدلة تقتضي فضيلة الجماعة ولو كانت
الثانية.
وأما
الأحاديث في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في بيته فلم تثبت مرفوعة
بل موقوفة على بعض الصحابة، ولو ثبتت لما كان فيها دلالة؛ إذ لم يرد فيها
أنه كان هناك جَمْعٌ لم يصلوا فَمُنِعُوا من الصلاة، فلعله لم يجد غيرَ
أهلِ بيتِه يصلي معهم.
وبالنسبة
لمن فعل ذلك من الصحابة فربما خوفاً من أن يُنْسَبَ له مخالفةُ الإمام، أو
كان ممن يرى لزوم إستئذانِ الإمام الراتب فلم يتيسر له، فهي وقائع أعيان
محتملة لا عموم لها، ثم قد ثبت عن أنس أنه "جَاءَ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّىَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً" رواه البخاري معلقاً مجزوماً به،
وإذا اختلف الصحابة لم يكن بعضهم حجة على بعض، كيف وتَرْكُ مَنْ تَرَكَ
ليس بحجة وليس صريحاً في المنع، بل محتمل، ولا تثبت البدعية بمجرد ترك بعض
الصحابة، وإنما كان لعلة، بل لا تثبت البدعة مع وجود العموم إلا بالاجتماع
على الترك.