حملة أمنيّة جديدة ضد الإخوان في مصر
رسالة واضحة وهدف محدد
بقلم: د. عصام العريان
ما زالت السجون تغص بمئات الشباب من الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا أثناء تضامن الشعب المصري مع الشعب الفلسطيني ضد الحرب المجنونة على غزة، التي فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، والتي تسبّبت في أضرار بالغة للنظام المصري ووضعه في خانة الراضي على العدوان أو المتواطئ مع العدو بسبب إعلان الحرب من مصر بعد لقاء «ليفني- مبارك». ورغم العدد الكبير الذي يزيد على 700 معتقل، ومعهم منذ أكثر من سنتين حوالي عشرين من قيادات الإخوان الذين يقضون أحكاماً بالسجن 3 و5 و7 سنوات بعد المحاكمة العسكرية السابعة لقيادات الإخوان خلال أقل من 15 عاماً، كانت الحملة الأمنية الأخيرة فجر الثلاثاء 3 آذار لتشمل بيوت 32 من قيادات جديدة غالبيتهم يعملون في إطار النشاط السياسي والفكري، مما يدل على أبعاد تلك الحملة.
من الجدير بالذكر أن غالبية المحكومين مع المهندس خيرت الشاطر (نائب المرشد العام) سيخرجون خلال الشهور القادمة، إما عاجلاً عند حلول موعد ثلاثة أرباع مدة الحكم (3 سنوات) أو بانتهاء مدة العقوبة مع نهاية العام الحالي, مما يعني في النهج الأمني المصري ضرورة إحلال غيرهم محلهم كي يبقى الإخوان دوماً تحت المقصلة وحدّ السكين، ولكي يرسل رسالة واضحة بدأت منذ عام 1993، هي أن التعامل الأمني هو الأساس، ولا توجد نية لأي احتواء سياسي أو اتجاه نحو الحوار، وهذا النهج مثلته تصريحات متكررة من الرئيس مبارك.
لكن المحاكمات العسكرية لم تثن الإخوان عن الاستمرار في نشاطهم وتمددهم في المجتمع المصري، ولا إصرارهم على المشاركة السياسية التي بدأت بقوة منذ عام 1984 مع حزب الوفد ثم ازدادت بالتحالف الإسلامي مع حزبي العمل والأحرار عام 1987، وكانت مقاطعة شبه تامة عام 1990، وحدثت مساومات عبر بعض المقربين من النظام بعد إحالتنا في أول قضية عسكرية عام 1995 لتحجيم مشاركة الإخوان إلى أقل حدّ ممكن مقابل إلغاء المحاكمات. وتجاوب الإخوان حرصاً على المصلحة الوطنية، وكان لهم 150 مرشحاً، إلا أن الوسطاء ذهبوا ولم يرجعوا بأي ردّ، وهذه سياسة عنادية متصلبة معروفة عن النظام وقيادته.
كان رد النظام على محاولة الحوار والاتفاق هو الأحكام القاسية قبيل الانتخابات بأيام في 23/11/1995 نالني منها خمس سنوات كاملة قضيتها تامة ونصف يوم زيادة، خرجت في 22 كانون الثاني 2000 ليستقبلني المرشد العام ويسألني بعد أيام النقاهة أن خطة النظام أخفقت فقد شارك الإخوان في انتخابات عام 2000م ليحققوا مفاجأة مدوّية، فقد جاوزوا 19 مقعداً، تم خصم ثلاثة فأصبحوا 17 ثم إسقاط عضوية اثنين فأصبحوا 15، ومع ذلك كانوا أكثر بمقعدين من كل مقاعد الأحزاب الرسمية مجتمعة. ثم كانت المفاجأة المذهلة في انتخابات 2005 التي فاز فيها الإخوان بـ 20% من المقاعد، وهو أكبر عدد للمعارضة في تاريخ الانتخابات المصرية، وضعتهم - في ذهن النظام والشعب كبديل محتمل لأول مرة في حالة حدوث تغيير للنظام أو انتخابات حرة ونزيهة - مؤهلين للفوز بأغلبية كبيرة أو الحصول على ما يقرب من 30 - 40% من المقاعد.
حقق الإخوان تلك النتائج الشعبية والانتخابية في ظل مناخ عالمي وإقليمي يموج بتيارات «الحرب على الإرهاب»، فقدموا بديلاً إسلاميّاً سلميّاً يؤمن بالديمقراطية المستدامة والعمل السلمي السياسي والإصلاح التدريجي وتقديم الخدمات للمجتمع والقدرة على إقامة تحالفات سياسية في تاريخ ممتد من 1984- إلى 2005.
واستمرت سياسة التضييق والمطاردة للإخوان والاعتقالات والمحاكمات. لكن هذه السياسة الخاطئة المدمرة لنسيج المجتمع المصري لم تثمر خلال أكثر من ستين عاماً بتشجيع من المجتمع الأوروبي والأمريكي إلا مزيداً من القوة للإخوان وتماسكاً أكثر للتنظيم ومزيداً من الشعبية في ظل تراجع كافة التيارات السياسية الأخرى. هذه السياسة تأتي في ظل تخوف غربي وأوروبي من تنامي ظاهرة الحركات الإسلامية.
واليوم، بعد انتهاء حقبة الحرب على الإرهاب التي دشنتها إدارة بوش الأولى ثم استمرت في حماقة تامة في تنفيذها خلال الإدارة الثانية، وأثمرت مزيداً من حركات العنف العشوائي والعمليات الإرهابية في كافة أنحاء وقارات العالم، فقد تحول تنظيم القاعدة إلى مدرسة فكرية يتمرن فيها ويتخرج منها كافة المحبطين والمهمشين من الشباب في العالم أو القليل من الشباب المسلم المخلص الذي لا يجد منفذاً للعمل من أجل الإصلاح والتغيير بوسائل سلمية.
اليوم، إذا كان «ديفيد مليباند» وزير الخارجية البريطاني يقول إن العالم لا بد أن يتحدث إلى حماس، وإن العالم كلف مصر الرسمية بإدارة حوار مع حماس، يأتي السؤال الخطير:
- كيف تجري مصر بقيادة مبارك حواراً مع حماس وهي لا تحاور ولا تستمع إلى الإخوان المسلمين أو حتى أحزاب المعارضة أو القوى السياسية أو حتى الاحتجاجات الشعبية ولا حتى نواب البرلمان المنتخبين؟
- وسؤال آخر: هل يتولى ملف الحوار الوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية؟ وهل هذا حوار أمني أم المطلوب حوار آخر يحقق الأهداف السياسية؟
- لقد حدثت تحولات كبيرة بدأتها أمريكا في ظل إدارتها الجديدة برئاسة «أوباما» وشملت استراتيجية جديدة اتضح الكثير من معالمها.
وفي هذا السياق الدولي والإقليمي والمحلي الذي يموج بتطورات خطيرة وتهدئة دولية، تأتي الحملة الأمنية الجديدة ضد الإخوان المسلمين في مصر غريبة ومستهجنة، فهي رسالة واضحة
نفلا عن موقع الشفاء.....
لاتنسونا من صالح دعائكم